اركن ما تسمعه حاليا علي جنب

 احمد الشمسي

في جملة رائعة وشديدة الدلالة من حوار فيلم Music and Lyrics – الذي أحبه كثيرا بالمناسبة – تقول بطلة الفيلم: "اللحن هو الانطباع الأول الذي تأخذه عن شخص ما، أن تقيم معه علاقة سطحية، أن تمارس معه الجنس، لكن أن تعرف الشخص بعمق وتفهمه... تلك هي الكلمات".
هذا في رأيي صحيح تماما!
في ضوء هذا المفهوم يمكنني أن أقول وأنا مستريح الضمير أنني لم أسمع أغنية جيدة منذ مدة، لم أقم علاقة حقيقية مع منتج غنائي منذ سنين، بالأحرى منذ بدأ أيمن بهجت قمر – وهو كاتب موهوب جدا – في السيطرة على سوق كلمات الأغاني ليتم تسطيحها تدريجيا باستخدام كلمات خالية من العمق تماما وتدور في قالب مسطح لا جماليات فيه!
لكي تعرف أكثر ما أتحدث عنه قل لي ماذا يضيف أيمن بهجت قمر كشاعر إلى اللغة حين يقول: "أسيبك لا ده ما أقدرش أسيبك، ألف الدنيا علشان عنيك"؟!! كلنا يمكنه صياغة جملة كتلك... أعني إنها لم تحمل فكرة عبقرية، ولم تحمل تشبيها جديدا، ولم تقل شيئا يجعلك تسمي ما يكتبه بهجت شعرا... المشكلة أن هذا النمط من الغناء أصبح هو السائد.. خصوصا بعد أن انضم أمير طعيمة إلى سوق الكلمات المقولبة كان آخرها رائعته للست هيفاء وهبي: "يابن الحلال... شوقي ماليني".
هذا ليس ذما في شاعر موهوب مثل أيمن بهجت قمر، وأنا أعرف أنه يحسن أفضل من هذا، لكنه حبس نفسه – أو استسلم لمن حبسه – في ذلك القالب اللذيذ الذي يصنع أغنيات ناجحة بمقاييس مطربي البوب، وبالتالي نسمع جميعا نفس نوع الغناء ونفس الأسطوانة المشروخة التي تتغزل في الحبيب أو تتوعده وتتهدده بتنويعات مختلفة على طريقة كتابة شعرية واحدة، ويرتفع اللحن كقيمة جمالية وحيدة، لكنها – كما يقول حوار الفيلم – لا تصنع إلا علاقة سطحية مع الأغنية.
ستشعر إذن بالحسرة حين تستمع إلى أغنيات غربية تمتلئ بالأفكار المختلفة... صدق أو لا تصدق أن أغنية لـلمطربة Shania Twain تنبأت بالأزمة المالية العالمية:

…We've created us a credit card mess
!We spend the money that we don't possess

(Song: Ka-Ching! Album: Up!)

كل هذا دفعني للبحث في الأسماء الجديدة... جديدة بالنسبة لي على الأقل، لأكتشف عوالم أخرى من الغناء تثير في نفسي أحاسيس مختلفة عن تلك المصنوعة للاستهلاك السريع... إليك بعض النصائح بعد خبرتي في البحث.
أولا: دع أيمن بهجت قمر يستريح قليلا وابحث عن مؤلفين جدد
د. نبيل خلف يكتب أغنيات رائعة... عاطفية نعم لكنها مع ذلك مختلفة... كتب بالكامل ألبوم علي الحجار "يمامة" (وضع لحن هذه الأغنية مصطفى قمر وهو لحن بديع بالمناسبة)... والأغنية الأفضل في هذا الألبوم هي أغنية "يا مصرية"... التي تحيل إلى الوطن أكثر مما تحيل إلى الحبيبة:

نسيم الصبح ع الشبابيك ينقر لك
و ع الخطوة بيصحى الديك يصفر لك
يفيض النيل على الشجرات وبيغازلك
وسمكة تطير فوق السمكات وترقصلك
***
زرعت الحب بشقاوة على تلك
يا ست الحسن يا نقاوة أنا ضلك
خفيفة الروح أنا مجروح ومش طايلك
وقلبي نضيف وقصدي شريف ومقسوملك

هذا بالإضافة إلى أغنيات ذات روح فلكلورية مثل أغنية "عروستي"... وتجريب غير عادي في أغنية "زفة":

شجرة فلفل تتجوز من شجرة توت
ميل غصن من الشجرادي على الشجرادي
واتفاهموا في كل التفاصيل !!

هذا غير أغنية ألبوم علي الحجار الأخير (حوا وآدم) التي أثارت زوبعة عند بعض قليلي الفهم محدودي الرؤية:

حوا وآدم لما اتقابلوا سوا في الجنة
ما عرفناش من أول لحظة قالوا ايه لبعض؟!
تحت التينة أو الجميزة
قال لها آدم: "خطوة عزيزة"
وجايز اتوتر ولا اتخض!
كان وحداني في كون رباني
قال مشتاق للجنس التاني
وشاف في منامه بشاير الوعد!

د. نبيل خلف كتب أيضا لمدحت صالح أغنية لطيفة هي "حبك خطر" وكتب لـ وائل جسار وكتب لإيهاب توفيق رباعية رائعة في حب الله:

عطشان وانا بغرق يا نيل
والمية حلوة وسلسبيل
وانا نفسي في زمزم يا ربي
وبرحمتك مش مستحيل

إذا لم تكن شوفينيا كصديقي (عمرو)... يمكنك أن تفكر في الأغاني اللبنانية أو الخليجية حيث نزار فرنسيس ومحمد العبد الله الفيصل يكتبان أغنيات مبهرة حقا.
ثانيا: استمع لمطربين يقدمون أغان مصرية بديلة:
في هذا السياق لا يمكننا أبدا أن نغفل اسم "وجيه عزيز"، والجميل هنا أن الرجل يعطي للحن نفس الاهتمام الذي يعطيه للكلمة... وجيه عزيز يغني من كلمات علي سلامة أغنيات أكثر من رائعة في ألبوم "ناقص حتة" الذي أنصحك بالحصول عليه بأي طريقة.

الشعر عيرة والكحل عيرة
والورد فوق الخد ولحد الضفيرة
حتى الحنان جوة البيوت
حتى الكلام حتى السكوت
حتى الهتاف جوة المسيرة
برضه عيرة!

لكن اللافت للنظر هنا أن مجموعة من الفرق المصرية بدأت في الظهور محطمة بذلك الفكرة التقليدية عن المطرب... يمكنك أن تستمع لأغنيات رائعة من فريق Black Thema الذي يقدم تيمات تجريبية رائعة... أذكر بكل الإعجاب أغنيتهم "افلت زمام أمانك"...

افلت زمام أمانك
هتلاقي الكون قبالك
ده الفرحة هي لحظة
يشبع فيها جنانك

ثالثا: استمع إلى أغنيات غربية:
أحذر بشدة من الاقتراب ناحية موسيقى الراب... أو بالأحرى العبث الموسيقي المسمى بالراب... Dr. Phill في إحدى حلقات برنامجه الشهير سأل ضيفته:

- What type of music do you listen to?

- I listen to RAP.

- I thought I was talking about "Music".

والرجل معه كل الحق... الراب لن تجد فيه لا موسيقى ولا كلمات محترمة تشبع ذائقتك الجمالية.

يمكن بعد ذلك أن تسمع أغنيات الرائعة Shania Twain  وبالذات ألبوم UP وهو انحياز واضح مني لا أخفيه... ولن تندم مطلقا على الاستماع لها ولأفكارها الجديدة، انظر كيف تسخر من هستيريا المظهر عند المرفهين:

I don't wanna wear that
It only makes me look fat
Time to tone my thighs-- gotta lose another size, yeah!
What a way to wanna be

أرجوك أن تستمع إلى أغنية فيلم Music and Lyrics ومشاهدة هذا الفيلم متعة في حد ذاتها، لتعرف كيف تطورت كتابة أحد أجمل الأغنيات التي سمعتها في حياتي:

I've been living with a shadow over head,
I've been sleeping with a cloud above my bed,
I've been lonely for so long,
Trapped in the past I just can't seem to move on.

رابعا: لا مانع من الغناء التقليدي أحيانا:
أحيانا ستعثر على كلمات مميزة عند أيمن بهجت قمر حين يتنازل قليلا ويكتب شيئا مختلفا... من ذلك أغنيته الأخيرة لمحمد محيي (زي كتير)... والتي استخدم فيها رمزية جميلة وخلق جوا أسطوريا لحكاية تقليدية:

أنا كنت عاشق زي كتير
فقير وبيكي هبقى أمير،
رسمت قصرك في خيالي...
وفضلت احاصرك بآمالي...
لحد مانت يا حلم بعيد،
بقيت حالك من حالي!

هذه كانت جولة سريعة مع غناء بديل... زورونا تجدوا ما يسركم!