أهم ما يميز المطرب على الحجار إلى جانب موهبته فى الغناء. امتلاكه لقوة إرادة فولاذية، فهو لم يستسلم مثل كثيرين غيره، للأوضاع السيئة التى يمر بها الغناء منذ سنوات طويلة. بل تعامل مع موهبته، ومع الغناء، وكأن الساحة مازالت فى عصر بليغ حمدى أول من اكتشفه. وظل يجاهد من أجل تقديم كل ما هو جاد على عكس التيارات الغنائية الموجودة. يختار أعماله بمنطق أن للغناء بابا واحدا. لا يجتازه إلا أصحاب المواهب فقط. لذلك فهو مازال حريصا على أن يعتمد فى ألبوماته على الكلمة ذات المضمون الهادف، واللحن الذى يصنع خصيصا من أجله وليس الألحان المعلبة التى قد يسمعها عشرة مطربين من الأصوات إلى أن تجد من يتحمس لها.
الغناء عند على الحجار هو المعنى، والمضمون. لأنه لديه يقين أن الاذن وليس العين هى الفلتر الذى يميز بين ما هو جاد وما هو ردىء. وأن لغة الصورة سوف تنتهى، ويبقى الأساس فى الغناء هو السمع.
هذه الأيام يطرح على الحجار تجربته الجديدة «معلش»، وهو الالبوم الذى يضم 12 أغنية. وخلال سرد على الحجار توقفت أمام ثلاثة أشياء الأول أنه مازال حريصا على التعاون مع شركاء نجاحه فى السنوات الماضية. والشىء الثانى أنه اعتمد على ملحنين جدد ليسوا من الأسماء المطروحة على الساحة وهم سامح عيسى، وابنه أحمد على الحجار. والشىء الثالث أنه لم يعتمد على الأسماء المنتشرة حاليا فى سوق الأغنية من الملحنين، والشعراء، ومن هنا بدأنا الحوار..
● 90٪ من أغانى الألبوم لاحظت أنها لفريق العمل القديم الذى يصاحبك فى كل ألبوماتك السابقة؟
ــ هذا صحيح. لسبب بسيط، وهو أننى عندما أستعد لعمل ألبوم جديد أتحرك من خلال أصدقائى الذين بدأت معهم. وبالتالى أبدأ بالسمع منهم. ودائما أجد ما يناسبنى عند فريق العمل القديم. وأتصور أننا أصبحنا نسيجا واحدا، هم شركاء نجاح سنوات طويلة. وهذا الأمر ليس بجديد على الساحة لأن حليم مثلا كان له فريق عمل ممثلا فى الموجى، والطويل، وبليغ وفى التجربة الجديدة تجد ١٢ أغنية هى «الحزن بلاده بعاد» كلمات ناصر رشوان، وأحمد الحجار، و«شفت يا قلبى» كلمات إبراهيم عبدالفتاح، والملحن الكردى هالكوت زاهر، و«حبيت من سنة» كلمات عصام عبدالله، وألحان مسعد مصطفى، و«من الآخر» وائل هلال وألحان أمير عبدالمجيد، و«السكر غلى» كلمات رضا أمين، وألحان أحمد الحجار، و«انسى حاجات» كلمات رضا أمين وألحان عطية محمود، و«لا حد خالى» كلمات ناصر رشوان وألحان فاروق الشرنوبى و«بقدر على الدنيا» كلمات إبراهيم عبدالفتاح وألحان سامح عيسى، و«برغم الليل» ناصر رشوان، وأحمد حجازى، و«رجنا لبعضنا» كلمات هالكوت زاهر، و«معلش» إبراهيم عبدالفتاح وفاروق الشرنوبى، ويعيد تقديم «حانة الأقدار» للسيدة أم كلثوم كلمات طاهر أبوفاشا، وألحان الموسيقار الكبير محمد الموجى، وتوزيع يحيى الموجى
● أفهم من ذلك أنك لا تعطى لنفسك مساحة لاختيار أعمال من الملحنين والشعراء الموجودين حاليا على الساحة؟
ــ سمعت من ناس كثيرة من الموجودين. وسمعت من آخرين مازالوا فى بداية الطريق ووجدت لديهم أعمالا جيدة.
● إذن أنت لا تحب مسايرة «الموضة» فى الغناء؟
ــ ليس فى دماغى شىء اسمه الموضة. أنا أصنع غنوة لكل العصور. والموضة التى تخرج من الغرب من الهيب هوب، والهاوس، والراب، والمقيل. لا تعيش لأنها ليست شبهنا. والدليل أننا الآن مازلنا نسمع أغنية «نعم يا حبيبى نعم» لأنها موزعة أوركستراليا. وبالتالى تدوم طول العمر.
● أغانى ألبومك الجديد هل وزعتها أوركستراليا أيضا مثل 90٪ من أعمالك القديمة؟
ــ هناك 10 أغانٍ من بين الـ12 أغنية التى يضمها الألبوم موزعة أوركستراليا. واثنتان فقط لاتين ميوزك. هما «الحزن بلاده بعاد» وبالمناسبة هذه الأغنية نفذها الموزع أشرف محروس مع فريق غنائى من كوبا كان بالصدفة فى القاهرة لذلك سوف تجدها مختلفة، والأغنية الثانية «حبيت من سنة» توزيع أحمد على الحجار واستخدم فيها أوركسترا من آلات النفخ.
● ألا ترى أن 10 أغانٍ موزعة أوركستراليا تعد مغامرة منك لأن تكاليفها باهظة فى وقت الصناعة تعانى بسبب تدنى المبيعات؟
ــ هذا صحيح. لكن أنا أرى الأمر بشكل مختلف. وهو أن الانسان عندما يكون «جائع» لا يبحث عما فى جيبه. لذلك رغبتى فى الشبع الغنائى تتغلب على مخاوفى من عائدات بيع الألبوم.
● لكن هذا الأمر قد يسبب لك خسائر خاصة أنك تنتج أعمالك ثم تبحث عن شركة للتوزيع؟
ــ هذا صحيح أيضا. لكن العائد من الألبوم ليس المال فقط. لكن نجاحه يعنى أننى سوف أكون مطلوبا أكثر فى الحفلات وفى غناء مقدمة المسلسلات، وبالتالى فالتعويض يأتى من أماكن أخرى.
● إذن أنت لا تنظر للعائد؟
ــ المهم عندى ليس العائد المادى، لأن الأهم عدد من سمعوا الألبوم. حتى لو من خلال وسائل غير مشروعة مثل المواقع المنتشرة على الانترنت.. أريد أن يصل غنائى للناس أولا. وأهلا وسهلا بالعائد إذا تحقق.
● ألبومك الجديد قمت بإنتاجه ثم منحته لصوت القاهرة لتتولى عملية توزيعه رغم أن الكثير يتخوف من التعاون معها؟
ــ هناك أمور كثيرة اختلفت فى صوت القاهرة. أهمها أن إبراهيم العقباوى رئيس الشركة غير فكر العاملين بها. وأصبح لها وكالة إعلانية. وهناك سياسة جديدة لديهم هى رغبتهم فى تنشيط فرع الصوتيات خاصة بعد أن تقلص عدد شركات الانتاج.
● ما التسهيلات التى منحوها لك؟
ــ أولا تصوير أغنيتين، وعمل دعاية كبيرة، والتسويق بشكل جيد وهى أمور لن أحصل عليها من الشركات الخاصة التى تطلب منك المساهمة فى تكاليف الدعاية، والتصوير.
● هل صحيح أنك تنفق على الألبومات من عائد الحفلات، والدراما؟
ــ نعم. وأعتبر أن حفلات ساقية الصاوى الشهرية هى مصروف الجيب.
● ما حكاية أغنية «السكر غلى»؟
ــ بالمناسبة هى ليست أغنية سياسية. لكننى كنت أرى أن الألبوم ينقصه أغنية ذات حس شعبى. وكنت فى زيارة للشاعر رضا أمين. وسمعنى هذا العمل. وهى فلكلور كانوا الستات يغنونها فى المناسبات، وبالفعل استخدم رضا فقط جملة الدخول «السكر غلى وأنا أحلى بإيه» وقام أحمد الحجار أيضا باستخدام الجملة الأولى فى التيمة الموسيقية واستكمل اللحن من روحها. وتم تنفيذها بشكل شعبى على مودرن.
● هناك أغانٍ أخرى غريبة فى الألبوم؟
ــ الأولى «معلش» لأنها تقول «معلش الشارع أبقى لى وأحن عليا كتير منك»، والثانية «من الآخر» التى تعالج مشكلة الشاب المصرى عندما يحاول الارتباط، ويصطدم بالأفكار الموروثة، والتى تطرح فى ذهنه سؤالا. هل يا ترى الفتاة التى سوف ارتبط بها أحبت من قبل أم لا؟ وهل لمسها أحد قبلى أم لا؟ الصراع بين حبه، والموروث والذى ينتهى «من الآخر بحبك زى ما تكونى.. وللآخر هـ شيلك جوه فى عيونى وعارف إنى مش أول حبيب ليكى.. ولكن شرط أكون آخر.. وبالمناسبة هذه الأغنية مكتوبة منذ 10 سنين وكنت أخشى تقديمها».
● لماذا تخوفت منها؟
ــ كنت خائفا على ابنتى، ومن هم فى سنها. لأن الشباب لو صدق غنوة سوف يعتنق أفكارها. والدليل أن هناك أناسا أحبت على غناء عبدالحليم وأنا شخصيا فهمت السياسة من أغانى حليم وصلاح جاهين.
وأنا فى الإعدادية كنت أتصور أن جمال عبدالناصر «هـيفوت على الصحرا تخضر» الأغنية والفيلم لهما تأثير كبير على الناس.
● كل فترة أجدك تطرح أعمالا مكتوبة من سنوات بالدرجة التى جعلتنى أشعر أن لديك مخزنا للأغانى؟
ــ ليس بهذه الدرجة. لكن هناك أعمالا تحتاج امكانيات معينة أو الوقت ليس مناسبا لها. مثل أغنية «من الآخر». وأغنية «معلش» أيضا اخترتها من خمس سنوات. وثقتى فى زملائى الشعراء، والملحنين تجعلنى لا أقلق ولا أتعجل التنفيذ. لأننى أعلم أنهم لن يفرطوا فيها لمطرب آخر.
● فى هذا الألبوم تقدم دويتو «رجعنا لبعضنا» مع المطربة الكردية ليلى فريقى. لماذا لا نسمعك مع أنغام على سبيل المثال خاصة أن هناك أعمالا أخرى مسرحية جمعت بينكما؟
ــ اتفقت أكثر من مرة مع أنغام خلال عملنا المسرحى ليس على دويتو فقط، ولكنه على فيلم سينمائى، ولم يتحقق.
● «حانة الأقدار» لماذا قررت تقديمها رغم أنها من الأعمال شديدة الكلاسيكية؟
ــ أولا اللحن فيه حالة من الشجن الجميل. تجعل أى انسان يسمعها يشعر بمتعة. خاصة أنها من الشعر الصوفى. وأنا أحبها بشكل شخصى. إلى جانب أنها تدخل فى إطار مشروع 100 سنة غنا. الذى قررت تنفيذه خطوة خطوة بعد أن تخلت وزارة الثقافة عن تنفيذه.
● لك حفلة شهرية فى ساقية الصاوى كيف تقيم هذه التجربة؟
ــ منذ عام 2007 وأنا متواصل مع هذا المكان، وهو فى نظرى يساوى وزارتى الإعلام والثقافة. وفى الحقيقة قبل عملى بالساقية كنت محبطا، ولدى حيرة هل أعمالى أصبحت موضة قديمة وانتهت، لكن هذه الحفلات أعادت الاطمئنان، والسكينة إلى قلبى. وهم الآن يطلبون منى حفلين فى الشهر. وحفل ديسمبر الماضى طلبوا منى عمل حفلين فى يوم واحد بعد أن نفذت تذاكر الحفل الأساسى قبل الحفل بأسبوعين.
● ألاحظ فى كلامك أنك شديد الحب لهذه التجربة؟
ــ طبعا، أولا عندما قدمت أول حفلين وجدت أن الجماهير فيهما هم جمهورى الذى كان يسمعنى بالأوبرا. وبعد ذلك وجدت مستوى أعمار الحضور ينخفض.
● ما نوعية الأغانى التى يطلبها الشباب؟
ــ لن تصدق إذا قلت إنهم يطلبون منى كل أعمالى القديمة. التى كنت أنا شخصيا قد نسيتها. وهم فى حفل يطلبون منى برنامج الحفل الذى يليه.
● إذن جماهير الساقية أصبحوا ترمومتر على الحجار؟
ــ هذا صحيح.
● لكن ارتباطك بالساقية أنساك الأوبرا؟
ــ خلال فترة الدكتور سمير فرج، كانت فترة ازدهارى فى الأوبرا، الآن لم أعد أستفيد منهم سوى بالحفل الذى يقام بمهرجان القلعة الصيفى. لأننى ألتقى بالجمهور الحقيقى. أما باقى الحفلات فأين هى؟ على سبيل المثال مهرجان الموسيقى العربية إحدى الرئات التى كنا نتنفس من خلالها الطرب، أصبح مهرجانا تجاريا عينه على شباك التذاكر.
● الاذاعة والتليفزيون رفعا أيديهما عن الغناء كيف ترى هذا الأمر؟
ــ شىء يدعو إلى القلق على مستقبل الأغنية. لأنهم فى الماضى كانا يمثلان الداعم الأساسى للغناء الجاد. وابتعادهما أحد أسباب الانهيار، وأصبح من يكتبون الأغنية ليسوا شعراء، وليس الملحنون ملحنين. لأن الأغنية كانت قبل أن تذاع تدخل لجنة تقييم. الآن أى انسان يهدى أغنية للإذاعة والتليفزيون تذاع. على عكس دول الخليج التى تدعم فنونها بشكل غير مسبوق فتجد كل مطرب خلفه أمير أو شيخ يدعمه.
● ماذا عن إيقاف ليالى التليفزيون وأضواء المدينة؟
ــ هذه الليالى جمدت فى الوقت الذى نحن فى أمس الحاجة إليها. المطربون أين يغنون. هل يعتزلون الغناء. أتصور أن الوقت الحالى يجب أن تعود الحفلات. لأن هناك أسماء كبيرة سبيلها الوحيد هو تليفزيون بلدهم.
والواقع أصبح الانتاج مقصورا على المناسبات، والتى يدعى لها أنصاف المواهب، وأرباعها، ويكفى التليفزيون عرضه لبرامج الفضائح بحجة أنها تزوده بالإعلانات عيب علينا. وطالما أن تليفزيون الدولة اعتمد على التجارة، والربح قول على البلد يا رحمن يا رحيم.
● بمناسبة هذه البرامج ما رأيك فى التلاسن بين بعض نجوم الغناء؟
ــ أمر ليس بجديد. لكن أرجو أن تهدأ هذه اللهجة، لأنها ليست فى صالح الجميع.
● سرقة الألحان كيف تراها؟
ــ انتشرت مع انهيار الأغنية، ومع دخول ناس ليس لها علاقة بهذا الفن. وبالتالى أصبحت هناك ضرورة لعمل شبكة واحدة مترابطة من جمعية المؤلفين والملحنين، والنقابة، والإذاعة والتليفزيون. لأن من أسباب الانتشار أن كل جهة تعمل وكأنها دولة منعزلة عن الأخرى، والسارق لابد وأن تمنع أعماله.
● كيف ترى الغناء الآن؟
ــ أرى الأمر مختلفا تماما عن الفترة الماضية، لأن معنى أن الناس تحرص على سماع صابر الرباعى، وأصالة، وشيرين، وأحمد سعد، ووائل جسار، ولؤى فإن الأمور تسير نحو الأفضل.