بقلم :
حسين الزناتى
لم يستطع المطرب على الحجار أن يوقف دموعه التى انهمرت، وهو يتحدث فى برنامج تليفزيونى عن والده الذى كافح وتحمل الصعاب، من أجل أبنائه.
"الحجار" تحدث عن أسرته الفقيرة، وفترة الجامعة التى كان يعيش فيها "طول السنة بقميص أو قميصين"، هو وأخوه "أحمد" وأنهما كانا يضعان البنطلون تحت "مرتبة السرير" حتى لا يضطرا إلى كيه، أما فى الإجازة فكان على الحجار يعمل عند المكوجى، حتى يساعد والده على توفير احتياجاته!. واستمر الحجار فى دموعه، وهو يتحدث عن والده الذى كان قد تخلى عن أحلامه عقب فصله من الإذاعة، واتجه إلى تعليم الغناء، حتى يجد قوت يومه، ورزق أبنائه. دموع الحجار لها ما يبررها، لأن أبيه "إبراهيم الحجار" صاحب الأصول الصعيدية، هو قصة كفاح طويلة تتجاوز حتى قصة كفاح ونجاح أبنائه. لقد أفنى "الحجار" الأب حياته، على الأبناء، فاستحق أكثر من البكاء عليه من ابنه، فالأب هو أول من نزح من آل الحجار المشهورين بأصواتهم الجميلة من الصعيد إلى القاهرة. وتقدم للامتحان بالإذاعة المصرية التى إعتمدته وأصر رئيس اللجنة "مصطفى بك رضا" عميد معهد فؤاد الأول للموسيقى العربية أن يلتحق بالمعهد، ورصد له منحة شهرية من المعهد ومنحة منه شخصياً حتى يستطيع التفرغ للدراسة. واستمر الحجار الأب فى كفاحه، فبعد عشر سنوات من اعتماده كمطرب بالإذاعة، تقرر إعادة ترتيب طريقة العمل بها، وتم فصل بعض المطربين المعتمدين بها وكان هو من بينهم، ليصبح بدون عمل.
وفي منزل العائلة المتواضع بحى إمبابة ولد "على إبراهيم الحجار"، واضطر الأب العمل في الكورس أحياناً، وكمدرس موسيقى بملجأ للأيتام، فى أحيان أخرى لتوفير العيش للأبناء. وعندما كبر الابن "على" قليلاً عمل فى الإجازات ليساعد والده، وأخذ فى رسم الصور الشخصية بالقلم الفحم بقروش لجيرانه لامتلاكه موهبة الرسم. واستمر الوضع حتى التحق الأب بفرقة الموسيقى العربية، ثم تم تعيينه كمدرس حر بمعهد الموسيقى.
وفور تخطي "على الحجار" الثانوية العامة تقدم لكلية التجارة تنفيذاً لطلب من أبيه، الذى خاف عليه من العمل بالوسط الفنى فقط حتى لا يواجه نفس المعاناة التي واجهها، ولكن "على" لم يستطع الاستمرار بها فالتحق بكلية الفنون الجميلة، وأثناء دراسته التحق هو وأخوه "أحمد" بفرقة التخت العربى لإحياء التراث.
وقتها كان "الحجار" الأب، هو المُعلم والأستاذ الذى اعتبر الأبناء هُم رأس ماله الحقيقى، وقتها شاهد الموسيقار الراحل "بليغ حمدى" على الحجار، وهو يغنى في حلقة من حلقات برنامج الموسيقى العربية، وطلب مقابلته، واقتنع بموهبته، ودربه واختار له أغنية "على قد ما حبينا" لتمثل الانطلاقة الأولى له. إن رحلتى الحجار "الأب" و"الابن" لا تختلف كثيراً عن رحلات كل مُبدعى مصر، الذين ذاقوا مرارة الحرمان ليشتد عودهم، ويقوى عزمهم، ويصرون على النجاح مهما كانت الصعاب.
من حق "على الحجار" الآن أن يتذكر "رحلة الشقاء" حتى النجاح فتنساب دموعه، ومن حقه أن يتذكر رحلة الشقاء الأطول لأبيه، الذى حرم نفسه ليعطيه، وربما جاع حتى يُشبعه، ونسى نفسه، حتى لا يتذكر إلا موهبة أبنائه. إن وفاء الأبناء للآباء بات قليلاً. ودموع على الحجار الآن على والده ورحلة كفاحه، هى شرف يستحقه!.
0 التعليقات:
إرسال تعليق