نشاهد خلال الأسابيع الأخيرة أكثر من محاولةٍ لاستثمار الثورة لصالح بعض الفنانين، وكلها تبدو مكاسب صغيرة لا تليق بثورةٍ دفع المصريون دماءهم من أجل إنجاحها وأحالها هؤلاء إلى مجرد "سبوبة" بلغة هذه الأيام.
من الواضح أن الرؤية السياسية الضبابية التي تعيشها مصر الآن أدت إلى أن كل من لديه هدف شخصي يريد إنجازه يستغل الثورة ليقفز إلى مرماه، وكل من أخفق في حياته الفنية وحقق فشلاً ذريعاً في عصر "مبارك" أصبح المسئول الأول هو مبارك.. حتى الذين ارتبط نجاحهم بزمن مبارك أصبحوا الآن من ضحايا مبارك.
مؤخراً أعلن "تامر حسني" أنه قد تمت محاربته فنياً من قبل الدولة في الأشهر الأخيرة من زمن "مبارك" لأنه رفض أن يغني له بعد أن طلب منه "أنس الفقي" وزير الإعلام السابق أن يقدم أغنية له في 2010.
المعروف أن "تامر" كان واحداً من أكثر المدافعين عن "مبارك"، وتسجيلاته موثقة في مداخلاته التليفزيونية في عز أيام الثورة، ولكنه دائماً بسبب تصريحاته المتناقضة ما أن يخرج من حفرة ليقع في "دحديرة".. اعتقد "تامر" أن عليه حتى يعود إلى جمهوره بعد أن وضعه الكثيرون في قائمة العار من أعداء الثورة.. اعتقد "تامر" أنه من الممكن أن يتنصل باختراع قصة وهمية ربما تقنع البعض، ولم يدرك أننا نعيش في زمن التوثيق.
ببساطة افتح اليوتيوب لتجد أغنية كتبها "تامر" متأثراً بحبه الجارف لحسني مبارك قبل تنحيه ببضعة أيام، وكان بصدد تسجيلها لولا أن مبارك قد سبقه وتنحى.. ليست هذه هي الواقعة الوحيدة وليس "تامر" هو الفنان الوحيد الذي لا يجد بأساً من أن يلعب بكل الأوراق ويختلق الأكاذيب من أجل أن يكسب أي نقاط لدى جمهوره.
مثلاً المطرب "علي الحجار" يهدد شركة إنتاج تابعة لاتحاد الإذاعة والتليفزيون -وهي صوت القاهرة- ناعتاً إياها بأن القائمين عليها من فلول "مبارك" لأنهم لم يصدروا حتى الآن الشريط الغنائي الذي كتبه "سيد حجاب" و"عبد الرحمن الأبنودي" ولحنه "عمار الشريعي" باسم "اصحي يناير".
من الواضح بالطبع أن الشريط يحمل تحية للثورة، ولكن لو فرضنا جدلاً أن الشركة وجدت أن توزيع الشريط حالياً ليس من مصلحتها على المستوى الاقتصادي، فإن هذا لا يعني أن الشركة عميلة لفساد مبارك، وأنها ناصبت الشريط العداء لتصادره بدلاً من أن تصدره.
هناك مظاهر فساد عديدة من الممكن أن تلاحق هذه الشركة، ولكن هذا لا يعني أنهم متواطئون ضد شريط "الحجار"، لأنه يتغنى بثورة يناير.. الأفلام التي تخللتها أحداث عن الثورة مثل "صرخة نملة" و"الفاجومى" عند عرضهما تجارياً لقيا إحجاماً جماهيرياً، ولا يعني هذا سوى رأي الجمهور السلبي في الفيلمين وليس رأياً سلبياً في الثورة.
لا يمكن أن تتحول الثورة إلى فزاعة من يرجئ طرح شريط يصبح عدواً للثورة، وكلنا نعلم أن "الحجار" لم يعد من الأصوات التي تباع الأغاني باسمها في الوقت الحالي، وربما كان هذا هو السبب الحقيقي للتأجيل، إلا أنه كعادة أغلب الفنانين كان "الحجار" هو أول من تنكر لغنائه لمبارك عندما قال إن أغنية "النسر المصري شق السما" التي قيلت له في أحد احتفالات أكتوبر لم تكن لمبارك وإنه لم يكن يعرف إنها تتغنى باسمه.
لم يكتف الحجار بهذا القدر، فهو صاحب براءة اختراع "الزغطة" قال "الحجار" أنه كلما دُعي للغناء باسم مبارك في حفلات أكتوبر، وأثناء البروفات كانت العناية الإلهية تتدخل في اللحظات الحاسمة لإنقاذه فيصاب بزغطة أو احتباس في الصوت في اللحظات الأخيرة قبل أن ينطق باسمه، وتعددت تدخلات العناية الإلهية ليخرج من عهد مبارك بلا خسارة.
"الحجار" يراهن دائماً كأغلب الفنانين على مصلحته المباشرة، أتذكر في مهرجان الجزيرة للأفلام الوثائقية الذي أقيم في شهر إبريل الماضي وكان "الحجار" مدعواً للغناء وقال على الهواء أشكر الجزيرة لأنها علمتني حب مصر!!
إلى هذه الدرجة بلغ التملق، فاعتبر أن حب الوطن الذي قال عنه "عبد الوهاب" في أغنيته الشهيرة "حب الوطن فرض عليًّ أفديه بروحي وعنيّ"، أما "الحجار" فلقد جعل هذا الحب فرضا على قناة فضائية علمته كيف يحب بلاده!!
قبل أيام قليلة، قال مؤلف مسلسل "الدالي" إن الجزء الثالث من المسلسل لم يعرض في رمضان الماضي لأنه كان يتناول شخصية "علاء مبارك"، برغم أن سبب تأجيل عرض المسلسل كان معلناً منذ العام الماضي، وهو خلاف على ثمن عرض المسلسل بين المنتج "محمد فوزي" واتحاد الإذاعة والتليفزيون المصري على السعر، كما أن لبطل المسلسل "نور الشريف" آراؤه المؤيدة لمبارك ولعائلة مبارك، ولا يمكن أن يهاجم مبارك أو أبناءه في مسلسلٍ أنتج في زمن مبارك ولكنهم يركبون كعادتهم الموجة.
المخرج "أحمد ماهر" أعلن مؤخراً أن السر وراء تأجيل عرض فيلمه "المسافر" الذي أنتجته وزارة الثقافة المصرية أنه أعلن تأييده للدكتور محمد البرادعي وأنه استقبله في المطار قبل عام ونصف عندما جاء إلى مصر، رغم أن السبب لتأجيل العرض قبل الثورة وبعدها أن شركات التوزيع تخشى من إحجام الجمهور عن الذهاب إلى "المسافر"، ولهذا كثيراً ما تراجعت عن عرضه.
ليست هذه هي فقط المحاولات الوحيدة للصعود على أكتاف الثورة من قبل عدد من الفنانين، ولكنها نماذج ولديّ الكثير من الوقائع.
0 التعليقات:
إرسال تعليق