الثلاثاء، 29 يوليو 2008

آه يا مريم .....


آه يا مريم .....
لما تأخرت ؟ .. لم أعد أحتمل.. ...
تغير كل شئ لمجرد غيابك ..
النهار الذي كان يستقبلنا دوماً باسماً رافعاً قبعته البيضاء لنا
يحتضر الآن يوميا عند شرفتي ..
الشوارع التي طالما فتحت صدرها الواسع لنا نخبئ الأحلام فيه
لماذا أصبحت- حين تراني وحيداً- تعطيني ظهرها ؟ ثم تركلني خارجها .. تقول أمي حين اخبرها عنك " ياعينى ع اللي حب ولا .." حينها يضحك أبى ساخراً , يضحك أخوتي .. تتسع أفواههم وعيونهم بالضحك .. تتسع .. تحاصرني
كنت أهرب لك يا مريم .. أنت الوحيدة التي تخبئني بين ضفائرها الطويلة حين يلفظني الآخرون .. إذن لمن أهرب الآن
لن يكفيهم أنني أعيش معهم كظل خلفهم أسير ودوماً تدوسني أقدامهم سيستأصلون كثيراً من حلمي وربما يستأصلونه كله .. كي أصبح عاديا مثلهم .. أنت فقط تريدننى غير عادى
أنت فقط تسمعين مثلي على الحجار .. تسرحين حين اقرأ عليك صلاح عبد الصبور .. تتابعي مسرحياتي تتقدمين الصفوف .. تصفقين بشدة عند رؤيتي .. تخطفني عيناك من الجمهور .. ثم نمضى معاً
ألن تأتى إذن لتهرب روحي معك ؟
أبى مات الزمن تحت قدميه فصار لا يفعل شيئاً إلا أن يفتل شاربه زاعقا فىّ بسبب وبدون .. أمي تطالبني ليل نهار أن أفلح مثل أخي الأكبر – هذا الساخر دوماً منى ومن شرودي الدائم –
هم يعلمون أنني لم أرغب في دراسة الحقوق ويصرون على أن أصبح محاما كبيراً مثله
هكذا أجد نفسي وحيداً .. وسط أخوة من الأشباح يضحكون حين يضحك أبى .. يصمتون عندما يصمت .. ولا أراهم إلا عندما تتكدس أجسادنا على السرير / القبر ليلاً
حتى الأصدقاء لا أجدهم .. يفرون منى ومن كأبتى التي أفرضها عليهم .. لم أجد غير كلاب الشارع التي ألفتني وصارت تستقبلني كل يوم .. تشاركني أوجاعي وألامى
حتى أتى يوم ملّت فيه سماعي فانصرفت من حولي
أجد نفسي ثانية وحيداً وهذا الليل الواقف من حولي أكرهه .. يتربص بي .. ينتظر خطوتي تجاهه كي يبتلعني .. يشبه أخي الأكبر وهو يمد يده لي .. " روبه الأسود " يتطاير خلفه .. أظافره تستطيل .. تستطيل
فأهرب لليلك أنت يا مريم
حين نجلس في " شجرة الدر " نحلم .. يكون النهار قد تسلل برفق كي لا يفسد علينا نشوتنا .. تبتسمين
- عايزة القمر
أرفعك على راحتي حتى تصلين له .. تقطفين بعضا منه ونترك لغيرنا بعضه .. نغنى سويا
" عارفه .. مش عارف ليه بتونس بيكى.. وكأنك من دمى "
تقبلين أناملي .. تخمدين جراحي في صدرك الدافئ .. لا نهتم بمشهد الأشجار وقد أحنت رأسها خجلا وتمنت لو انشقت الأرض وبلعتها .. أحبك .. احبك .. تتلاحم أضلعنا .. لا تفترق إلا حينما يطردنا حارس الحديقة .. لم نهتم
رحنا نجرى وأمطار يناير تتضاحك معنا .. حتى لم أعد قادراً على تقبل مزاحها الثقيل فوق رأسي
" آه ما أسعدني
فلينهمر الشعر المعقود على خدي وعيني
ولأطلقه يغنى ويغنى
ولأطرد ظل الوسن النعسان عن جسمي المثقل بالأحلام
لكن سعادتنا لا تكمل إلا ... "2
حين يموت أبى ويأخذ لجامه معه سيصبح هذا العالم ملكي .. لن يأخذك شيئاً منى .. لكن أبى لا يرحل وأنت لا تحبين أن أدع عليه
لماذا؟ أنت لا تعلمين أبى حين يفتل سلك الكهرباء باعتناء – كما يفتل شاربه – لا تهزه صرخاتي ولا دمى .. ولا يستطيع الجيران إيقاف ركلاته على جسدي .. أنت لم تشاهديه وهو يحرق أصابعي بالنار كالأطفال .. كي أتوقف عن كتابة الشعر وقت المذاكرة والغناء في الحمام
أنت لم تصفعيني ولم تحرق أصابعي حين صارحتك بممارساتي السرية .. فقط قفز ذعر العالم كله في عينيك وأنت تسألينني لماذا؟
وأنا لا أعرف – يا مريم – لا أعرف صدقيننى .. ربما الكبت / الوحدة/ إكتئاب .. لا أعرف
لحظتها اختبئا ذعرك وتملكتك الدموع وأنت تعرضين على جسدك لو أن ذلك سيوقفني عن تلك الممارسات
أتذكرين .. لحظتها ضممتك إلى صدري بكيت وأنا أقسم لك أنني لن أفعلها ثانية من أجلك
هكذا أنت وهكذا هم
حتى عندما رآنا أبوك ويدانا متشابكة , لم أخف حين صفعك
لم أجر حين هددني . فقط طلبت منه يدك وكانت ملكي منذ لحظات
سبني وهو يجرك خلفه .. كان قلبي يجرني خلفه
جريت على أبى طلبت منه أن بخطبك لي .. عاد يستهزئ بي ومعه أخوتي .. هددتهم أنى سأترك البيت لهم .. لم يهتم أحد
- فارق لما الجوع يبقى يقرصك .. ابقي ارجع
كان معه حق يا مريم .. لم يقرصني الجوع فقط.. بل قرصني كل شئ
ذلك الشخص الذي خطفك منى فجأة في لحظة إحتياجى لك
قرصني الشارع الخالي منك إلا من بعض مارة لا يهتمون
أيها الناس .. مريم لم تعد تأتى .. لماذا تسيرون ولا تتوقفون
كان لزاماً علّى أن أرجع لأبى وأخوتي .. حيث تمضغنى أفواههم وتلقى بي كنكتة ماسخة
" وليل بعد ليل . ونجم بعد نجم اتحد ف
وأنا بغنى لكن لوحدى للأسف "
لم يبق إلا على الحجار .. يصر ألا يتركني وحيدا
وأنت لا تأتين إلا للحظات .. تختفين بعدها فجأة كما ظهرت
أمي لا تزال تزن في اذنى
أخوتي يتغامزون ..
" سايق عليكى الغنا .. يا صاحبة القلب البرئ .. محتاجلك "
الليل مازال متربصاً بي
أخي يتقدم تجاه قدماى المتسمرتين
أبى صار يفتل كل شئ بين يديه .. حتى أحلامي
ربما يشنقني بها بعد
آه يا مريم
" تتصوري رغم إننا شايفين طريقنا بينتهى
تتصوري لعمري هاقدر على الفراق
ولا انتى عمرك تقدري "

* * *

1 أغنى على الحجار
2 صلاح عبدالصبور

0 التعليقات:

إرسال تعليق

قائمة المدونات الإلكترونية

  • كورونا الاهلي والزمالك - باقي علي القمة الافريقية بين الاهلي والزمالك اقل من ٢٥ ساعة وناتي للاثارة والمتعة وجمال الكرة سواء من الاهلي او الزمالك ما يشغلنا في هذه المبارة موضو...
    قبل 3 أعوام
  • اعتقال أمريكي بسبب طعنه للبطيخ بطريقة عدوانية - * يواجه أمريكي تهمة التهديد من الدرجة الثانية بعدما اشتكت عليه زوجته للشرطة إثر تعرضها للإرهاب النفسي حين رأته يطعن بطيخة بطريقة "عدوانية" أمامها و...
    قبل 10 أعوام
  • La lingua Italiana per stranieri - Katerinov - La lingua Italiana per stranieri - Katerinov Book: Download here ( djvu format ) Audio: Download here
    قبل 11 عامًا
  • مسرحية " ذكى غبى جدا " - *مسرحية " ذكى غبى جدا *" *بطوله : * *على الحجار* * و محمد سعد* * و ميمى جمال* *تحميل مجاني - Free Download* *Server* مشاهدة مباشرة اون لاين *ana...
    قبل 11 عامًا
  • Pavarotti - Nessun Dorma (Live in Paris) - *ITALIAN;* *Nessun dorma! Nessun dorma!* *Tu pure, o, Principessa,* *nella tua fredda stanza,* *guardi le stelle* *che tremano d'amore* *e di speranza.* *M...
    قبل 11 عامًا
  • برلمان التحرير - «حصاوى بالمقهى يجلس شاردا وبجواره جاره» الجار: سرحان فى إيه يا حصاوى؟ حصاوى: أصلى بفكر أرشح نفسى للبرلمان. الجار: هاهاى، دا أنت مغمى عليك يا حصاوى، انتخ...
    قبل 11 عامًا
  • يا بارى الكون - يا بارى الكون فى عز وتمكين وكل شى جرى بالكاف والنون يا من احس به فى كل كائنة وقد تعاليت عن ظن وتخمين فى هدئه الليل يارب اراك فى هدئة الليل يارب اراك ف...
    قبل 12 عامًا
  • - معكم يوميا راديو الحجار من الساعه التاسعه الي الساعه العاشره صباحا ومن الساعه الثانيه ظهرا الي الرابعه ظهرا ومن الساعه الواحده بعد منتصف الليل الي السا...
    قبل 14 عامًا
  • اطفال الجنه - ايها الحب المطل من شرايين النقاء ايها الخير العظيم يا ضياء من ضايء ايها الحب المطل من شرايين النقاء ايها الخير العظيم يا ضياء من ضايء جئت بالحق تنادى ر...
    قبل 14 عامًا

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة