إبراهيم محمد حمزة
يقولون أن المعاصرة حجاب ،
ولكننى أظن أن المحبة حجاب ،
خاصة مع فنان بقيمة على الحجار،
ذلك أن محبى هذا الفنان المناضل
ضد قيم القبح والتفاهة،
لا يرون فيه أى احتمال للخطأ أو التنازل ….
وإن كانت الدنيا تقوم وتقعد لأغنية
تافهة لمؤدية أكثر تفاهة ،
فإن حق على الحجار علينا أن نحتفى به
ونحتمى بفنه الجميل ضد موجة البورنو كليب………
فـ على الحجار فنان يشعرك بالأمان
من أن هناك غناء حقيقى
وشعر حقيقى وموسيقا حقيقية
غناء من أجل وجه الغناء.
أتصور أن هذا هو الغناء الذى قال
عنه بعض الشيوخ : " رأيت أبا العباس –الخضر عليه السلام –
فقلت له :ماذا تقول فى هذا السماع
الذى اختلف فيه أصحابنا ؟
قال : " هو الصفو الزلال الذى
لا تثيت عليه إلا أقدام العلماء".
**********
اللى خلف ممتشى :
فى واحدة من تجاوزات "مدحت صالح "
تحدث هاتفيا إلى الحجار فى أحد البرامج
التليفزيونية قائلا : "على فكرة عمى إبراهيم الحجار
كان هيبقى نبى بس ربنا كان زعلان منه شوية صغيرة"
ورغم سوء تعبير هذا" الدرعمى "
عن حبه للرجل إلا أنه يشى بهذا الجو
الصوفى المفعم بالتدين وقد احتضنا على
منذ مولده فى الرابع من إبريل 1954وحتى الآن …
فقد رباه الأب تربية سليمة
واعية عاقلة ، قام بها رجل دين بلا جبة
ولا قفطان ورجل فن بلا عرى
ولا انحلال ، إنما عاش الرجل يحمل
الفن رسالة أوصلها لولديه ،
فعرفا معنى الغناء الذى " يغسل القلوب
بماء الخشوع ويدعو إلى طريق الله ورسوله "
وحين ُسِمح لـ على أن يرفع الآذان
فى مسجد إمبابة ، أخطأ من فرحته فقال
" حى على الفلاح قبل حى على الصلاة "
فوجد أباه بجواره يصحح له الخطأ الذى وقع فيه ….
المهم التحق على بكلية التجارة
ولكن أستاذا له لاحظ ميوله الفنية مجتمعة ،
فنصحه بالتحويل لكلية الفنون الجميلة
فالتحق بالفعل بها ،
وأنهى دراسته وبدأ بلبى نداء الفن الساكن
فيه ليل نهار ….
وفجأة لمع نجم فى حياة الفتى الصغير
……بليغ.
على قد ما حبينا :
قمتان .. جوهرتان لامعتان …
بليغ وعبد الرحيم منصور ،
معا من أجل احتضان صوت شاب
هو صوت على الحجار فأخرج أول ألبوماته عام1977م
ولم يخذل الفتى صاحبيه
فجاء صوته قويا قادرا متمكنا :
طول ما القلب صافى بحر العشق دافى
كل عذاب الدنيا بيدوب بين أيادينا
ولا يتراجع الفنان الشاب عما
وصل إليه من تميز ، بل يقدم –
وفى جرأة يحسدعليها –
رباعيات صلاح جاهين بألحان سيد مكاوى ،
ورغم تضخم ديوان جاهين بالأغنيات
إلا أن مشروعه الفنى كان يتمايل أمام
عينيه ليتشكل من كلمات وموسيقى مميزة ،
من خلال اختيار الرباعيات التى هى " تعبير فلسفى عميق
يحول الرقص إلى رؤية عجيبة للحياة
نكاد نشهق لها " كما يرى يحيى حقى .
أنا شاب لكن عمرى ولا ألف عام
وحـــيد ولكن بين ضلوعى زحام
خايف ولكن خوفى منى أنا
أخرس ولكن قلبى مليان كلام
و عجبى
ثم يستدير "على" لجبهة جديدة تماما ،
أغنيات الأطفال فى ألبوم "كنت فين يا على "
فى نفس العام وتمضى شهور
ويصدر " محتاجلك" عام 1979م
[ والذى صدر بعدها 3مرات بعناوين مختلفة ]
وبعدها يهدأ على قليلا ويبحث عن فتح آخر
ويلتقى ببنيانه المرصوص " أحمد الحجار "
فى ألبوم يذوب رقة وشجن وعمق
" اعذرينى" 1981م وفيه يبدع أحمد موسيقاه
ويجدد صوت أخيه.
ولا يمر عام حتى يلتقى الثالوث كله
: الأب / الابن الأكبر / الابن الأصغر.
فى حلم من أحلام على ولهذا لا تتعجب
أن جعل اسمه " الأحلام "؟
وتتوالى الألبومات … متصدقيش عام 1983م
وفى نفس العام يصدر ألبوما حاملا
أغنيات مسلسل الأيام …
ويقدم فيه موسيقا عذبة لعمار
تناغم كلمات غارقة فى الجمال لسيد حجاب
الذى كعادته يرتدى أقنعة الشخصيات الدرامية ،
حتى تسمع " طه حسين " ينشد على لسان الحجار "
العمركله غربة وإنت قـــــال جـــــانى
وف كل يوم دعا الوالدين نجـــــــــانى
ساعات أقول ده اختبار للعدل من ربى
وساعات أقول ربى اختــارنى ونجانى
الحجار يغنى الهأة المأة :
ويأتى ألبوم "مبسوطين "ليجمع أغنيات مسلسل
" أبو العلا البشرى ،
فى إبداع متدفق للأبنودى وعمار ،
وقد نوع الشاعر بين عمق الكلمات وسخريتها ،
فغنى الحجار بمنتهى الشياكة :
الهـــأة المـــأة الزلمأة
حتقلى آه وأقـــول لأه
وتتابع ألبوماته " فى قلب الليل "
و" متلعبوش بالنار "ثم تترات مسلسلات
مثل " غوايش" – اللقاء الثانى –الشارع المكسور
حتى تأتى المحطة الإبداعية الراقية فى حياة الحجار
وذلك فى ألبوم " أنا كنت عيدك "
خلاصة إبداع جمال بخيت
وموسيقا العبقرى فاروق الشرنوبى
وتعترض الرقابة على جرأة الكلمات
فى أغنية "أنا كنت عيدك "
ولما لم تكن الكلمات من نوعية
" بالراحة كده كده بالراحة أو إفــــ تح
أو هذه النوعية السائدة بقوة الآن
فإن الرقابة لم تجد فى النهاية سوى
السماح للألبوم بالظهور لتخرج للناس
نوعية جديدة عليهم من الأغنيات الوطنية
التى تجعلك تبكى الوطن لا تضحك عليه….
أنا كنت عبدك فى عز ضعفك
وكنت يوم التجـــــــــــــلى سيدك
وإذا كفرتى بسحر صوتى
أغنى رغم العطش نشيدك
غناء ملىء بالأنين والشجن ،
غناء يوجع القلب ويوقظه ويرش عليه
عطر المحبة والسلام ،
غناء قد يخسر صاحبه فلوسه
ويكسب إبداعا فواحا ….
أنا كنت عيدك " ألبوم العمر لعلى
إذا سمعته متوجعا :
لما تنادينى الذكريات
لما المطر يغسل شوارعنا القديمة
والحارات
ألقانى جايلك فوق شفايفى غنوتى
………
مش جاى أندم ع اللى فات
ولا جاى أصحى الذكريات
لكنى بحتاجلك ساعات
لما الشتا يدق البيبان .
وتستمر مسيرة الثلاثى المبدع فى ألبوم
"مقاتل " هو " لم الشمل "الذى جاء صرخة
احتجاج على حرب الخليج
ثم يعودالحجار للحضن الدافىء " سيد حجاب"
فى ألبوم شهير وشعبى بالرغم من
عبقرية الكلمات وجمال الآداء ورشاقة اللحن
إلا أن الألبوم وازن ببراعة
ورقة بين الشعبية والجمال مثلا " شفتك قبالى بلبلت بالى "
أو انظر لهذه الصورة التى تسيل شعرا وروعة "
أنا كنت ماشى مزمزت حزنى
بين حمل ضايع وحمل مضنى
ضحكت لى قلت لهواها خدنى ….
ثم نجد مرحلة أكثر شبابا ورقة وتميز
مع محمد العسيرى فى ألبوم " رمى رمشه"
ويبدو إحساس العسيرى بالسعادة
واضحا فى إهداء ديوانه
" للبيوت شهوة تزلزلنى " إلى على الحجار…
وقد تبع الحجار ذلك الألبوم بـ " لسه الكلام "
ثم ينهى رحلته الغنائية بألبوم "ريشة "
الذى أعاد النجاح إلى ألبومات الحجار
خاصة الأغنية المصورة
البديعة الفاهمة لمعنىالقصيدة المغناة ….
الحجار …. الفتى الشرير :
ومنذ ظهور الحجار سنة 1977م
وهوعلى صلة وثيقة بالدراما ..
ويبدو من أسماء المخرجين الذين
تعامل معهم الحجار كممثل فضلا عن تعامله
معهم كمطرب فقط يبدو حرصه
على القيمة من خلال أسماء كبيرة
مثل هانى لاشين وعلوية زكى – إبراهيم الصحن –
سمير العصفورى – مراد منير –
حسن عبد السلام - محمد عبد العزيز –
محمد فاضل … وغيرهم
والحجار ليس ممثلا " فلتة "
ولكنه أفضل من ممثلين متفرغين للتمثيل
حيث يجمع الحجار فى آدائه بين البساطة الخجلى
التى تميزه وبين خفة الدم المصرية الهادئة
اللطيفة بحيث تشاهده فى الفتى الشرير مع
غول التمثيل المبدع نور الشريف فنجد الحجار ممثلا قويا ..
قدم على الحجار أفلام المغنواتى 1977م
و" أنياب "1979م ثم الفتى الشرير 1987
وظل الحجار على صلته بالشاشة الصغيرة
فقدم لها أعمالا كثيرة جيدة بدأت
" يسين وبهية " عام 1982موانتهتحتى
الآن بمسلسله الأخير عن رباعيات صلاح جاهين
وبينهما أعمال جيدة مثل أبو العلا البشرى
واللاعب بالنار والباقى من الزمن ساعة وبوابة الحلوانى
وعصر الفرسان ورسالة خطرة إلخ ….
وفى المسرح – على صعوبته –
قدم الحجار اثنتى عشرة مسرحية من أصعب
وأمتع وأيم ما يمكن بداية من
" ليلة من ألف ليلة "وانتهاء بـ نضارة سودة شايفة
ورد التى قدمها عن حياة الراحل العظيم سيد مكاوى
وبينهما قدم عملا مأخوذا عن
رسالة الغفران للمعرى ،بعنوان "زباين جهنم
" ثم نوار الخير – منين أجيب ناس أولاد الشوارع –
اتنين فى قفة – عيال تجنن –
رصاصة فى القلب –
خايف أقول اللى فى قلبى – سر الهوى …….
ما يبقى من فن الحجار:
وعبقرية الحجار تأتى من بحثه الدائب
الدائم عن صفتين متلازمتين:
القيمة والجمال .
أو الشكل أوالمضمون ….
بما لديه من جرأة فى اختيار
النص الغنائى مهما كان صاحبه
من الشهرة أو عدمها ….
ورغم أن أحدا لم يتحمس لمشروعاته
الغنائية الكبرى كمشروع 100سنة
غنا أومدرسة إبراهيم الحجار الغنائية أو غيرها ….
ولكن يظل الحجار فى الساحة الغنائية
واثق الخطوة يمشى ملكا …
يذكرنا بأساطين الغناء العظام الغناء المؤثر …..
هل قرأ أحد فى الأغانى أن قيسا سمع ليلى تنشد :
كلانا مظهر للناس بغضا وكل عند صاحبه مكين
فشهق شهقة شديدة ثم أغمى عليه …
لماذا لم يعد للفن أىتأثير فى سامعه ..
لماذا لم يعد لاغناء يصفى القلوب وينقيها ؟
إن أردت أن تعرف الجواب اسمع
من الحجار أغنية القاهرة وأخبرنى
رأيك فيه وهو ينشد :
وأنا فى قلب دوامتك الدايرة بينا
باصرّخ : بحبك يا أجمل مدينة
آه من الجمال ….
إبراهيم محمد حمزة
0 التعليقات:
إرسال تعليق