بقلم محمود الكردوسى
مرة واحد كئيب سأل صديقه: «إيه أخبارك»؟..
فأجاب، صدقاً أو كذباً: «زي الفل».. فبهت الكئيب،
وضرب كفاً بكف، وتساءل مذهولاً،
مفجوعاً: «زي الفل؟.. يا نهار أبوك إسود!..
وشرفي لأبلغ عنك أمن الدولة»!.
الحكاية حقيقية، وبطلاها حقيقيان،
ما زالا علي قيد الحياة، وكان قد رواها
لي صديقي إبراهيم داود في قعدة عطالة..
لا أذكر إن كانت في أحد بارات وسط البلد
أم في كافيتريا مؤسسة الأهرام،
حيث «نعمل ولا نعمل»، وقليلاً ما نلتقي..
قليلاً جداً.
لكننا بين الـ«نعمل» والـ«لا نعمل»..
نختلس - كعشرات العاطلين -
لحظة سعادة، فيها أكاذيب رائعة:
«ما تيجي نعمل جرنال تابلويد نكتب فيه
براحتنا ونصرف عليه من حر مالنا
ونوزعه علي أصحابنا بإيدينا»..
وفيها حسرة علي أنفسنا:
«صلي ع النبي يا أبو خليل..
اليومين دول مش بتوعنا.. خلينا متدارين
وما تبوظش القعدة.. اطلب لي بيرة».
بعد البيرة والقعدة الحلوة أعود إلي أجندتي.
يسأل الواحد صديقه: «مالك.. شايل طاجن ستك ليه»؟.
فيزم شفتيه ويرد ممتعضاً: «مفيش»..
والحقيقة أنه يتنفس نكداً ومللاً وإحباطاً وحيرة،
لأن اللهاث وراء لقمة العيش لم يترك
لأي منا لحظة سعادة، حتي إذا كان
الرزق فوق الاحتياج: «مش عارفين ننبسط»..
قالها أحمد محمود، صديقي الموهوب،
وكنت أعتقد أنه سيأخذ مني، ويخفف حملي،
فاكتشفت أن «الحال من بعضه»،
وأنه مثلي ومثل كثيرين في بلاط هذه المهنة،
ضحية لضميره اليقظ وموهبته الأوسع
من كل قوانين الطبيعة: «مفيش حافز يا دكتور..
مفيش نفس ولا وقت ولا ناس لمعناة الكلام يتلوه..
سمعني علي الحجار».
تركب مع سائق تاكسي وأنت تهمس لنفسك
بأنه ربما يكون أمن دولة ويحاول أن يجر
شكلك ويستدرجك، بادئاً بالكلام عن
الشبان الذين يراوحون بين البانجو والفياجرا،
وعن البنت «اللي لسه ما طلعتش من البيضة»
وطلبت منه عشرين جنيهاً مقابل أن يقضيا
معاً ليلة حمراء: «ما تخافش يا اسطي.. السكة سالكة..
المهم المكنة - يعني المكان - والواقي الذكري»..
ومنتهياً إلي حديث التوريث والتعذيب
والتهليب والتزوير و.. «آخرتها يا بيه»؟.
تذهب لشراء فاكهة فتفاجأ بأن كل الأسعار
تحركت وأنت واقف كالأبله، ثم تكتشف زوجتك
أن البطيخ ماسخ والعنب مر والمشمش مليان
دود والتين حمضان وخيبتك تقيلة.
تفتح الباب للمكوجي وفي يدك عشرة جنيهات كالعادة،
فيطلب عشرين لأن سعر طن الحديد
وصل إلي سبعة آلاف جنيه:
«يا ابني إيه علاقة الحديد بالهدوم؟».
«تمر علي الحلاق وانت مش طايق
شعرك لأنه ثقيل و.. بيلم عليك وساخة الشارع»،
فيخرم الحلاق رأسك ويشفط مخك ويضربه
في خلاط، ثم يعيده إليك بعد ساعة وقد أصبح
طبق يخني. تنام إلي جوار زوجتك آخر الليل
وتحاول أن تناغشها: «فاكرة يا سوسو!..
فاكرة أول مرة قلت لك بحبك»؟..
فتستدير وهي تنفخ وتتأفف، وترد بعد
أن يكون قد استوي: «التلاجة فضيت».
تقرر أن تخونها ولو بفتاة تحبها «من غير أمل»،
فتكتشف أن قلبك مات، وأن الحب مجرد «حوار»
كما يقول «الفيس بوكيون»، وأن قلب الفتاة
لمن يدفع تكلفة جسمها وتاكسياتها وشريحة
محمولها وقعدتها في الكوفي شوب.
تشجع الأهلي فلا تشعر بلذة القلق لأنه بلا منافس.
تشجع الزمالك فتحزن لأنه ابتلي بشخص يدعي
مرتضي منصور. تذهب إلي السينما فتنام من التعب.
تسمع أم كلثوم فتزهق من طول الأغنية.
تفتح النت فتشعر بأنك «اتربيت غلط».
تقرأ الأهرام فتشعر بأن مصر أم الدنيا ومبارك أبوها.
تقرأ الجمهورية فتشعر بأنك في السويد.
تقرأ العربي والكرامة فتشعر بأن عبد الناصر هو الحل.
تقرأ الدستور وصوت الأمة فتشعر بأن البلد
«رايحة في ستين ألف داهية». تقرأ الفجر
فتشعر بأن مصر جائعة ولا تأكل إلا بثدييها.
تقرأ الأسبوع فتشعر بأن الوحدة العربية
خير من جليس السوق.
تقرأ البديل فتشعر بأن تسعة عمال معتصمين
أمام خزينة مصنع سيشعلون ثورة بلشيفية جديدة!.
سأوفر عليك وأسألك قبل أن تتهمني
بأنني كئيب ونكدي وسيادتك
«مش ناقص غم»: هل أنت سعيد؟
أنا عن نفسى مش سعيد ..
بس الحمدلله راضى باللى
ربنا قسمهولى .. فى معظم الوقت
ببص للناس اللى مستواها
المعيشى أقل و أقول الحمدلله
أنا أحسن من غيرى كتير ..
ربنا يديمها عليا نعمة
و يخلينى دايما راضى و يرضى عليا
ها .. إيه رأيكم .. إنتوا سعداء ؟؟
0 التعليقات:
إرسال تعليق