عبدالرازق حسين
هذه المسرحية عرضت بنجاح في محافظات مصر منذ نحو سبع سنوات. المؤلف وليد يوسف قدمهالفرق الهواه في الأقاليم. وكانت تحمل عنوان الحالة 95، تغير عنوانها وأصبح ‘خايف أقول اللي في قلبي’ وافتتح بها المسرح الكوميدي التابع للدولة موسمه الصيفي. اختيارهذا النص، الذي سبق تقديمه عشرات المرات في مسارح الثقافة الجماهيرية يحمل دلالة ذات مغزي مهم، وهو عدم وجود مؤلف الكوميديا المحترف، وتراجع المستوي الفني للنصوص المسرحية، مما أدي إلي تبادل الأدوار بين مسارح الدولة والثقافة الجماهيرية،المفروض أن مسرح الدولة يتحمل مسئولية الريادة الفنية. يطرح كل موسم النصوص والقوالب الفنية والمضامين الإبداعية التي يستفيد منها الآخرون وليس العكس، هذه الملاحظة الشكلية لا تؤثر علي القيمة الفنية للعرض، الذي يعيد اكتشاف النص المسرح يل وليد يوسف، ويوفر له عناصر فنية عديدة، علي مستوي الممثلين والموسيقي وإمكانيات خشبة المسرح. مما جعل العرض يبدو في صورة فنية وجمالية مبهرة، بالقياس للتجاربالعديدة لإخراج وتقديم النص في فرق الهواة، التي حاولت تعويض غياب الإمكانياتالفنية بمضاعفة الاعتماد علي أدوات الممثل، وكانت في مجملها محاولات تستحق التقدير،إلا أن العرض الحالي للمسرح الكوميدي تقدم بالنص المسرحي عدة خطوات للأمام،باستثناء بعض الملاحظات الفنية.
يدور موضوع المسرحية حول مدرس تاريخ ‘علي الحجار’ يواجه في حياته اليومية أشكالامختلفة من القهر علي المستوي الشخصي والعملي، تشاركه هموم الحياة ومتاعبها زوجته ‘روجينا‘ يلجأ أستاذ التاريخ إلي الماضي، يستعيد في كل لحظة أفعاله وانتصاراته، يعرض عليهأستاذه في الجامعة ‘يوسف داود’ تجربة الارتداد مع الزمن سبعة آلاف سنة إلي الوراء،في عصر الأسر الفرعونية، يوافق، يتناول عقارا سحريا لكن يحدث العكس، يقفز مع الزمنإلي الأمام سبعة آلاف سنة، يكتشف أن مصر خلال السبعة آلاف سنة تحركت إلي شيء آخر،كل شيء يعتمد علي تكنولوجيا الاتصالات، المشاكل اختفت، نهر النيل تحول إلي مساكن،الأهرامات أصبحت مجرد ‘ماكيت صغير’، يحاول أستاذ التاريخ الهروب من هذا الكابوس،يتناول عقارا آخر، يعود به الزمن إلي العصر الحاضر، الذي حاول الهروب منه، يكتشف أنالواقع رغم كل قسوته أفضل من الماضي.. والمستقبل. الفكرة جيدة سبق أن تناولت بعض النصوص العالمية فكرة الزمن، وفي المسرح المصري عالجلينين الرملي فكرة مشابهة، عندما ارتدت شخوصه إلي القرن الثامن عشر، ليعيش عصرالمملوك ‘مراد بك’. الجديد الذي قدم وليد يوسف بناءه الفني، والحبكة الدراميةلشخصياته، وتوظيف أدواته في بناء مفارقات كوميدية، لكن يؤخذ علي النص وجود بعضمساحات التطويل والمط في بناء المواقف والشخوص الدرامية لذلك كانت تلجأ أغلب فرقالهواة إلي اختصار بعض هذه المساحات لتركيز النص، وتكثيف دلالاته الفنية، ولم يلجأالمخرج أشرف زكي إلي ذلك، احتفظ بالنص الأصلي كما هو لاعتبارات أغلبها جماهيرية،الإخراج المسرحي أحد الايجابيات المهمة للعرض، بداية من اختياره لمجموعة الممثلين،ووضع العرض في قالب غنائي استعراضي، بصرف النظر عن بعض المبالغات في استخدامالأغنية والاستعراض، إلا إنهما عنصران جماهيريان، ساهما في إضافة مساحة في الإبهارللعرض. إلي جانب باقي أدوات المخرج، إضاءة، حركة، ملابس، إيقاع، مفارقات كوميدية. الملحوظة المهمة علي الإخراج في الجزء الثاني للعرض، عندما يسافر أستاذ التاريخ عبرالزمن سبعة آلاف سنة للأمام، هذه المنطقة من العرض كانت تحتاج إلي أدوات إبهار شكلاومضمونا، تعكس المسافة بين المتفرج وسبعة آلاف سنة. ولم يتفق هذا الجانب الجوهريللنص والعرض ربما لإمكانيات الإنتاج، والتقنيات الفنية المحدودة لخشبة المسرح. علي الحجار تقدم عدة خطوات كممثل مسرحي في هذا العرض، واضح أنه يتطور فنيا في هذاالاتجاه، ويمكن القول أنه ينفرد بالجمع بين جمال الصوت والآداء التمثيلي الجيد. روجينا ممثلة مسرح جيدة، تجمع بين دقة الآداء الحركي واللفظي والحضور المسرحي معهمانجوم المسرحية يوسف داود وأحمد عقل وعبدالله مشرف وحسين الديب وفادية عكاشة التيتملك حضورا وموهبة وتلقائية ولا أدري سر ابتعادها عن المسرح في الفترة الأخيرة،وأحمد نبيل الذي لم يوظف بالقدر الكافي لمساحة دوره، خايف أقول اللي في قلبي.. كوميديا جادة، تستحق أن تحصل علي دعم قطاع المسرح، ومنخلال الإعلانات المناسبة، يمكن أن يستمر عرضها عدة شهور، لأنها تجمع بين الكوميدياوالأداء الفني الجاد، الذي يحترم عقل المشاهد.. دون إسفاف.
0 التعليقات:
إرسال تعليق