الثقافة الموسيقية هل يصبح لها دور في مجتمعنا!
كتبت : نهال قاسم
أجمع المشاركون فى الندوة التى عقدت بالمجلس الأعلى للثقافة
حول تأثير الإعلام على الموسيقى و الغناء ،
على الفجوة الواضحة ما بين الإعلام و الموسيقى الرفيعة ،
و الغناء الأوبرالى ، و الغناء الشائع و المتداول فى الأفلام أو المسلسلات ،
مؤكدين على الدور القيادي لدار الأوبرا المصرية التى أسهمت
فى تقديم و نشر هذه الموسيقى الراقية ،
و التى تساهم فى الإرتقاء بذوق ، و أخلاق المستمع أو المتلقى ،
و يحذر د. محمد حمدي – رئيس البيت الفنى للموسيقى ،
من ضغوط السوق التى فرضت علينا أنواعا معينة
من الموسيقى ، و الغناء ، الآخذ فى الإنتشار فى دار الأوبرا التى
بدأت تنتشر فيها الحفلات الشبابية ،
التى تجتذب الجماهير التى تفتقر إلى تذوق ،
وإدراك قيمة هذه الموسيقى الرفيعة ،
بسبب عدم تواصلها عبر الأجيال الجديدة ! إنتعاش فني!
و قد استرجع الشاعر سيد حجاب مسيرة الفنون المصرية الحديثة
التى بدأت محاولات تأسيسها فى عصر النهضة التى قامت
فى عهد " محمد على " باشا ، وقيامها بداية بجمع مجموعة
من الموشحات القديمة ، ثم بدأ يحدث نوعا من التواصل ما بين
الغناء المصرى و التركي على يد مجموعة من الفنانين كان منهم ،
( محمد عثمان ، عبده الحمولي ) ثم بدأ يظهر الفلكلور المصرى
فى الغناء الحديث ، و المحاولات الأولى لتأسيس الموسيقى العربية ،
و الغناء الوطني على يد الفنان " سيد درويش " ،
ثم بدأت تظهر كوادر الغناء المصرى التى تجاوزت الأساليب الغنائية
القديمة على يد " أم كلثوم " ، و " عبد الوهاب " ، اللذان أشاع
ا نمط جديد من الغناء الذى كان مزيجا من ألوان الغناء السابقة ،
و قد تواصلت جهود المبدعين ، و الفنانين ،
حتى قيام ثورة 23 يوليو 1952 ، حيث بدأ تأسيس الإذاعة المصرية ،
كوسيط ما بين الفنانين و المتلقين ،
ومنبر أساسي فى نشر الفنون الراقية ،
و أحاديث أعلام الفكر والأدب من أمثال
( د. طه حسين ، محمود عباس العقاد ، فكرى أباظة ..إلخ ) ،
و مسرحيات ( نجيب الريحاني ) ،
و يضيف " حجاب " إنه مع بدء النظام الناصري فى بناء الدولة الحديثة
حيث تحولت الإذاعة المصرية عن متابعة الأحداث الثقافية ،
وبدأت تتحول إلى منبر للإرشاد القومي ،
و إستخدام الأغاني التى تقدم سواء عبر الإذاعة
أو التليفزيون فى الإحتفالات الغنائية كنوع من الدعاية السياسية
أكثر من انتمائها إلى الفن الأصيل ! و يذكر " حجاب "
إن هذه التطورات قد دفعت العديد من المبدعين ،
و المثقفين إلى تأسيس مؤسساتهم الخاصة
حتى يتمكنوا من خلالها من مواصلة إبداعاتهم الفنية ،
و الثقافية ، كما قام معظم نجوم السينما بإنتاج أفلامهم
التى تعد إضافة حقيقية للسينما المصرية التى سرعان
ما بدأت الدولة تسعى إلى الإستيلاء عليها ،
كما بدأت الإذاعة فى تلك الفترة تهتم ببرامج
الهواة التى أخرجت لنا العديد من الشعراء ، و الملحنين ،
والأصوات الجديدة حتى عام 1973 ،
و الذى بدأ من بعده التدهور فى كافة أنواع الفنون
حتى وصلنا إلى الخطر الحالي الذى يحدق بالهوية المصرية
مع بداية الحقبة الخليجية التى بدأت تتسلل إلى مجال
إنتاج الدراما المصرية ، و فرض شروطها السلفية الوهابية ،
و إنتشار الملاهي الليلية فى مصر ، التى قامت بالترويج
لنجوم الغناء العربي الذين وجدوا فى القاهرة ساحة للإنطلاق ،
و الإنتشار الفنى ، محذرا من دخول تجار الخردة فى
حقل الإنتاج الفنى ، و الذين هم أبعد ما يكونوا عن رسالة الفن
و مضمونه ، و هو ما أفسد ذوق الجماهير ،
فضلا عن سيادة موجة إحتكار الأصوات المصرية
ليس بهدف نشر الثقافة أو الفكر ، و إنما محاولة لإستقطابهم ،
و نشر الأصوات العربية ، عبر الأغانى الهابطة التى تعتمد
على الرقص الغرائزى ، والبرامج التى تستهدف أموال المشاهدين العرب ،
و إغرائهم بالثراء السريع دون جهد يذكر ،
من خلال التصويت على هذه الأصوات الغنائية العربية ،
و من ثم فقد بدأت الفنون الرفيعة تتراجع و التى كانت
تسهم فى بناء هذه الأمة ،
محذرا من هذه المحاولات التى تهدف إلى تدميرنا ،
وسلبنا عاداتنا و تقاليدنا الأصيلة ! صراع البقاء!
و يذكر "د. حمدي "- رئيس البيت الفنى للموسيقى ،
الأسباب التى تعيق إنتشار مثل هذه الموسيقى ،
و منها غياب دور الإعلام ، و النقد الموسيقى الجاد الهادف ،
و إختفاء و تراجع البرامج الموسيقية التى كانت
تقدم فى السابق من قبل المتخصصين
مثل البرنامج الشهير للدكتورة " رتيبة الحفنى "
و الدكتورة " سمحة الخولى " ، و الدكتورة "عواطف عبد الكريم "..إلخ ،
آسفا من إنه فى حالة إذاعة إحدى هذه البرامج المتخصصة ،
أو الحفلات الرفيعة فإنه يتم عرضها فى الساعات الأولى من الفجر !
ويضيف " د.حمدي " إنه يحاول دعم
فرقة عبد الحليم نويرة للموسيقى العربية ،
بدأت تتجه إلى أداء الأغاني التى تقدم حاليا من قبل بعض المطربين
الذين يحاولون الإحتفاظ بأصالتهم مع دمج أغانيهم
بموسيقى العصر مثل الفنان ( على الحجار ، هاني شاكر ، مدحت صالح ،
محمد منير ..إلخ ) ،
كما يقوموم أيضا بدعم فرقة الكورال التابعة
لدار الأوبرا المصرية ، و هو أمر بالغ الصعوبة نظرا إلى
حاجتها لنوعية خاصة من العازفين ، و المطربين
المتخصصين الملتزمين ، فى تقديم الأغاني التراثية
القديمة التى لا تزال تلاقى إقبالا جماهيريا منقطع النظير ،
و هو الأمر الذى يحفظها من الإندثار فى مواجهة الأغاني
الجماهيرية الأكثر ذيوعا و إنتشار ، و جلبا للأرباح ! تجاهل !
و قد أنتقد المايسترو أحمد الصعيدي الغياب الإعلامي ،
و النقد الموسيقى سواء على المستوى المحلى أو عالمي ،
و الذى كان و لا يزال مسئولا عن ثقافة الجمهور الموسيقية
بإعتبارهم بمثابة الجسور ما بين المجتمع و الفنون عامة ،
و نشر الثقافة الموسيقية التى تساهم فى تشكيل
وجدان شريحة عريضة فى المجتمع المصرى ،
مؤكدا على أهمية النقد الفنى فى تشجيع الإبداع الموسيقى
بكل إتجاهاته و أنواعه ، و رصد تطور حركة التأليف الموسيقي
المصرى المعاصر ، و الذى يحمل قيم موسيقية جديدة
مستمدة من التراث المعتقدات ، و المنظومات الثقافية ،
و الإجتماعية ، و الكشف عن القيم الجمالية فيه،
إبراز بعض العلامات المضيئة فيه ، و إحياء الهوية المصرية
الموسيقية من خلال تشجيع الفرق المصرية للتراث الشعبي
مما يعمق الإحساس لدى المتلقى بقيمة هذا التراث ،
الذى كان ذات يوم علامة بارزة ما بين الدول العربية ،
و إلقاء الضوء على القضايا الفنية الجادة التى تتعلق
بالموسيقى التراثية بشقيها الشعبي ، و التقليدي
الذى ظهر فى الثلاثينيات من القرن العشرين
مع ( يوسف جريس ، أبو بكر خيرت ، حسن رشيد ، و غيرهم )
و الذين قدمت أعمالهم فى الخارج و لاقت كل التقدير و الإعجاب
من قبل النقاد ، و الجماهير ، مؤكدا إنه كفنان يحتاج
إلى النقد الجاد الذى يشجعه على الإستمرار ،
أو تصحيح مساره عند حدوث خلل ما ،
و الذى يتواجد حاليا فى الصحف المصرية التى
تصدر بلغات أجنبية ، و يصدر غالبا من غير المتخصصين
مما يجعله يتخذ شكل النقد الإنطباعى بالإشادة
بالعمل أو رفضه ! كما إنتقد " الصعيدي " وسائل الإعلام السمعية ،
و المرئية ، التى تبدو فيها الموسيقى الرفيعة شبه غائبة ،
فيما عدا البرنامج الموسيقى - f.m- بالإذاعة المصرية ،
و المقصور سماعه على نوعية و فئات معينة من المتخصصين ،
منتقدا تقديم الموسيقى فيها بشكل متواصل
و دون التنويه عن كل قطعة ، و تاريخها ، ومؤلفها ، وعازفها ،
على نحو ما يحدث فى الغرب ، مما يعمل على
تقريب الأعمال الموسيقية ، و تمهيد المستمع للتفاعل
مع العمل الموسيقى و الإستمتاع بجمالياته !
و يشير الناقد الفنى " أشرف عبد المنعم " إلى الإشكالية
التى تحول دون قيام النقد الموسيقى بالدور المطلوب منه ،
و ذلك لعدة أسباب منها ، غياب الناقد الموضوع وطغيان
الخلفية الثقافية للكتاب ، وعدم توافر حد أدنى من
الثقافة الموسيقية المتعمقة من المعرفة بالمبادئ الفنية ،
و النظرية للموسيقى ، و تاريخها ، مما يحول دون
مشاركتهم فى وضع معايير أو نمط للنقد الموسيقى
فى الصحف اليومية ، و هو ما يفسر أيضا الكم الكبير
فى النقد العام للموسيقى فى الصحف ،
و المجلات المختلفة التى تنصب فيها معظم
المقالات حول الأغنية ، و الألبومات الغنائية
التى تستحوذ على إهتمام وسائل الإعلام ،
و القنوات الأرضية و الفضائية ، و الإذاعية ،
و كل الصفحات الفنية فى الصحف القومية و المعارضة ،
التى تهتم بإرضاء الذوق العام ، و ليس تثقيف القارىء ،
و مساعدته على تفهم الأعمال الموسيقية الجادة ،
مستشهدا بتجربته فى جريدة الأهرام حين تم إسناد
صفحة النقد الموسيقى له بإعتباره دارسا لها ،
و التى ما لبثت أن تم إختزالها إلى النصف ،
عند إجراء بعض التعديلات فى صفحات الجريدة ،
و هكذا يجد المؤلف ، و الموسيقى المصرى التجاهل التام ،
و عدم الإهتمام بحركة التأليف الموسيقى المعاصر،
وتشجيع الإستمرار و المثابرة فى سبيل إبداع الموسيقى
الجادة ذات الهوية المصرية ، و افتقاد المسرح الغنائي-
بسبب تكلفته المادية الباهظة –
و الذى ينعش الحركة الموسيقية ،
و أخيرا ثقافة المجتمع المصرى بشكل عام ،
والذي لم يتربى على التذوق الموسيقى
الذى هو بالنسبة إليه ليس إلا مجرد ترفيه ،
بل و قد تدخل الموسيقى أحيانا فى دائرة الحرمانية !
0 التعليقات:
إرسال تعليق